بحث هذه المدونة الإلكترونية

الديمقراطية



بحث في الديمقراطية *
خطة البحث

المبحث الاول : الديمقراطية

اولاً: تعريف الديمقراطية وتطورها التاريخي

ثانياً: مقومات الديمقراطية


المبحث الثاني : اسباب عدم ممارسة الديمقراطية في العراق

اولاً: مرحلة الحكم الملكي (1921- 1958)

ثانياً: مرحلة النظام الجمهوري (1958- 9/4/2003)

ثالثاً: العراق الجديد (بعد 9/4/2003)

المبحث الثالث : دور مؤسسات المجتمع المدني في بناء الديمقراطية

المصادر

المبحث الأول
الــديمـــــــقراطيـة

تعتبر الديمقراطية من المسائل الحيوية التي شغلت ولاتزال تشغل الفكر الإنساني وهي مفهوم حديث نسبياً بالمقارنة مع تاريخ البشرية الذي يمتد لملايين السنين وقد شهدت تطوراً متصاعداً ومتعاقباً منذ أول نشوءها مع ازدهار الحضارة الإغريقية. أن الحديث عن الديمقراطية يستلزم في البدء تعريفها و بيان المراحل التاريخية التي مرت بها و المقومات الأساسية التي تقوم عليها .

أولا :- تعريف الديمقراطية و تطورها التاريخي

الديمقراطية كلمة يونانية الأصل تتكون من مقطعين ( (demos وتعني الشعب (kratos) وتعني السلطة وبهذا يصبح معناها الحرفي حكم الشعب .
والديمقراطية بمعناها الواسع هي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار ومراقبة تنفيذه والمحاسبة على نتائجه.
كما أن الديمقراطية في المفهوم الإجرائي تعني صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبيعي بوسائل سلمية من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفاً بين جميع الاطراف تضمن تداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة .
مرت الديمقراطية بمراحل عديدة عبر التاريخ فالنظم الديمقراطية ما هي إلا تطبيق لنظريات فلسفية وممارسات حياتية لأمم و حضارات متعددة .وأول من نادى بتطبيق فكرة الديمقراطية هو (ليكورغوس) ( lykourgos ) في العام (800 ق- م ) في مدينة إسبارطة في اليونان وكان يفهم من تعبير الديمقراطية في ذلك الزمن انه حكم لا يستبد به فرد واحد ولا طبقة واحدة ، وأطلق على هذا النوع من الديمقراطية اسم (الديمقراطية المباشرة) لان المواطنين كانوا يجتمعون في مجلس واحد في العام (40) مرة ليناقشوا كل القضايا السياسية المهمة مناقشة مباشرة ويصدر المجلس قراراته بالأغلبية وكان يحرم من المشاركة في هذه العملية النساء و الرقيق وكل من كان من اصل غير أثيني مهما طال مكوثه فيها. أما في دولة مدينة أثينا فقد طبقت الديمقراطية المباشرة في حدود سنة(500 ق- م ) واستمرت قرابة (200 عام ) وكان دستور أثينا يوكل الأمر إلى جماعة متكونة من ( 500) عضو يتم اختيارهم من أبناء البلد الأحرار على أساس (50) شخص من كل قبيلة من القبائل العشر المكونة للمجتمع الاثيني آنذاك ولم تكن الديمقراطية هذه مذهبا قائما على الحقوق الإنسانية أو منظورا فيه إلى حالة غير حالة الحكومة الوطنية .وكانت المساواة التي تعرض إليها الفلاسفة اليونان هي مساواة وطنية وليست إنسانية فقصروها على أبناء اليونان ولم يشركوا فيها الغرباء أحرارا كانوا أم عبيد .
إن التطور المهم للديمقراطية قد حصل في القرن الثامن عشر حيث ظهرت الديمقراطية النيابية (غير المباشرة) عندما بشر المفكرين بفكرة المساواة وطالبوا بحق الشعب في اختيار ممثليه الذين يمارسون السلطة فيختار الشعب حكومته ويشرف عليها عن طريق ممثليه ،و كانت لنظرية العقد الاجتماعي التي أتى بها (روسو) دور كبير في نشر الأفكار الديمقراطية وقيام الثورة الفرنسية التي كان من أهم أهدافها (الحرية و الاخوة و المساواة) حيث أصبحت فرنسا أول نموذج ديمقراطي معاصر كما نقلت أفكار الثورة الفرنسية بعد ذلك إلى أمريكا أبان فترة الثورة الأمريكية حيث اعتمدتها كأساس في دستورها لما فيها من مبادئ ديمقراطية وإنسانية متطورة ، هذا وقد أصبحت أفكار الثورة الفرنسية بعد ذلك من الدعائم الأساسية التي قامت عليها إعلانات حقوق الإنسان الوطنية والعالمية وأصبحت نصوصها إلزامية في دساتير الدول الديمقراطية .

ثانياً:- مقومات الديمقراطية

للديمقراطية مقومات أو أركان تقوم عليها و لايمكن تصور قيام الديمقراطية بدونها واهم هذه المقومات هي :-
1-إقرار مبدأ سيادة القانون
يعتبر هذا المبدأ من المقومات الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية ويقصد به انه لا سلطة تعلو على القانون في (الدولة ) فالقانون هو الذي يحكم الدولة( حكام ومحكومين) و يحدد مهامهم وسلطاتهم ،ويعتبر من المبادئ التي نادت بها الثورة الفرنسية وفلاسفتها ، فالقانون هو تعبير للإرادة العامة ويضعه (جان جاك روسو) في مصاف المقدس ويرى فيه مناط العدالة و الحرية والعلاج الوحيد لنزوات البشر وتعسف الحكام ،ونتيجة لذلك أقر هذا المبدأ كنص أساسي في دستور الثورة الفرنسية لأنه يعتبر ضمانة لحقوق المواطنين وحرياتهم .

2- قيام دولة المؤسسات التي تقوم على اعتبار أن الدولة تتكون من عدة مؤسسات تكون حرة في عملها وقراراتها و مستقلة عن سلطة الدولة ولكنها لا تخرج على دستورها.والمثال الواضح في الوقت الحاضر على ذلك هو (الولايات المتحدة الأمريكية ) التي تعتبر من اشهر الأمم ديمقراطية في الوقت الحاضر حيث تتبع نظام المؤسسات المستقلة في الدولة .

3- استقلال القضاء والفصل بين السلطات
إن استقلال القضاء ضمانة أساسية لقيام الديمقراطية حيث لا سلطة على القضاء إلا القانون كما إن للفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية ) أهمية كبيرة في إشاعة الديمقراطية ولا يجوز أن تكون جميع السلطات مركزة في يد شخص واحد أو سلطة واحدة داخل الدولة مما يؤدي إلى استبدادها في الحكم وقيام الدكتاتورية.

4- الاعتراف بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية
إن ضمان حقوق الانسان وحرياته الاساسية والتي نصت عليها اتفاقيات ومواثيق حقوق الانسان العالمية تعتبر أساساً في قيام المجتمع الديمقراطي ومن هذه الحريات حرية الرأي وحرية الصحافة و حرية تكوين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية لان التعددية الحزبية ضمن أيدولوجيات ديمقراطية داخل المجتمع أمر مشجع على قيام الديمقراطية الصحيحة كما إن قيام مؤسسات المجتمع المدني كالمنظمات والاتحادات والنقابات داخل الدولة وإنهاء الوصاية عليها من قبل الحكومة يلعب دوراً في إنجاح العملية الديمقراطية وقيام المجتمع المدني لما تلعبه هذه المؤسسات من دور في العملية الديمقراطية حيث تكون هذه المؤسسات العين الساهرة على الحكومة في الكشف عن عيوبها ومساوئها والدعوة إلى معالجتها وإصلاح المجتمع من خلال نقدها للحكومة بأسلوب علمي ديمقراطي بناء .

5- الاعتماد على مبدأ الانتخابات العامة.
أن انتخاب الشعب للأشخاص الذين يمثلونه تعتبر ضمانة لتحقيق الديمقراطية و تداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة محددة المدة، حيث يجب إن تحدد الفترة أو الدورة الانتخابية للسلطتين التشريعية والتنفيذية على إن تكون هذه الفترة معقولة حتى لا تودي إلى احتكار شخص أو أشخاص للسلطة واستبدادهم فيها مما يؤدي إلى قيام الدكتاتورية داخل الدولة، كما إن الانتخابات تودي إلى قيام حكم محلي ديمقراطي حقيقي يقوم على انتخاب المجالس المحلية ورؤسائها وإعطاء المحليات على كافة المستويات (قرية- مدن- محافظات ) صلاحيات فعلية في اتخاذ القرار والتنفيذ وتدبير موارد مالية محلية .

6- توفير حد أدنى من الدخل يضمن المستويات الغذائية و الصحية و التعليمية و السكنية اللازمة لحياة كريمة من خلال الالتزام بإقرار الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية التي على الدولة الالتزام بها تجاه الشعب .

7- مشاركة العمال في إدارة الوحدات الإنتاجية لضمان إنتظام العملية الإنتاجية وتعميق التفاهم بين العمال والإدارة حول الشروط الواجب توفرها لاستقرار العمل .

8- مشاركة المستفيدين في إدارة وحدات الخدمات بحيث ينتخب المنتفعون من خدمات الوحدة الصحية أو المستشفى أو المدرسة ...الخ مجلسا يشارك في تطوير وتحسين الخدمة وكذلك في المرافق العامة .

9- تبني مفهوم جديد للتنمية يقوم على التنمية للشعب بالشعب وتوفير ضرورات الحياة للمواطنين و التوزيع العادل لعائد التنمية وبذلك تجمع التنمية بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسي.


المبحث الثاني
اسباب عدم ممارسة الديمقراطية في العراق

الديمقراطية تعني ضمان ممارسة الانسان لكافة حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية وان الفصل بين مضامينها او تغيب بعضها يعني تشويهها وبترها او تهميشها فلا يمكن تحقيق الديمقراطية الاجتماعية في غياب الديمقراطية السياسية لان ذلك يعني المزيد من الاستبداد السياسي وترسيخ الجمود الفكري .
إن الحديث عن الديمقراطية في أي مجتمع لن يكون له مدلول الا على ضوء واقعه السياسي والاجتماعي وضرورة الديمقراطية تكمن في انها شرط لتطور البلد وتقدمه ،لانها تفسح المجال لكل القوى الاجتماعية في المجتمع لتجاوز المشاكل والصعوبات لبناء مجتمع متوازن ومتماسك ،والديمقراطية نظام تعترف فيه الاكثرية بحقوق الاقلية وتسمح لها بممارسة حقوقها الاساسية ولا تمنعها من الادلاء برأيها ، اما تأجيل الديمقراطية في بعض الدول بحجة افتقارها الى الوعي الذي يؤهلها لإستيعاب مفهوم الديمقراطية فإنها لاتعبر إلا عن مصالح بعض الفئات الحاكمة و المسيطرة على مقدرات هذه الدول كما إن احتكار السلطة بيد عائلة او عشيرة او حزب واحد فإنها تؤدي الى التخلف وتفاقم الازمات والصراعات
ولأجل بيان أسباب غياب اوعدم ممارسة العملية الديمقراطية في العراق ، لابد من الاشارة الى المراحل التي مرت بها الدولة العراقية منذ نشوءها الى يومنا هذا. وهذه المراحل هي :-
اولا- مرحلة الحكم الملكي (1921-1958)

بدأت المرحلة الملكية في العراق بتتويج الملك فيصل ملكاً على العراق فــي 23- آب (1921) و اتخاذ عدة أجراءات ذات طابع ديمقراطي شكلي ،لعل من ابرزها اقرار قانون الجمعيات من قبل مجلس الوزراء في 29 حزيران (1922) ،و الذي يسمح للأحزاب السياسية بالعمل حيث تشكلت الاحزاب وفي عام (1924) شهد العراق اول انتخابات برلمانية حيث تم أختيار أعضاء المجلس التأسيسي (مجلس النواب)وفي 21 اذار (1925) صادق الملك على اول دستور عراقي بأسم (القانون الاساسي) مقتبسا ًمن الانظمة الدستورية الاجنبية كالدستور العثماني و الياباني و الاسترالي و النيوزلندي،واصبحت السلطة التنفيذية مهيمنة دون غيرها من السلطات على القرار المركزي الاول و نصت الفقرة الثانية من المادة السادسة و العشرين من القانون الاساسي على اعطاء الحرية لمجلس الوزراء في حل مجلس النواب دون ضوابط . كما منح الملك حق تشريع المراسيم اثناء عطلة مجلس النواب اوفضه أو حله (الفقرة الثالثة من المادة 26) ،ولعبت السلطة التنفيذية دوراً كابحا للسلطة التشريعية بما يخدم مأربها وسلبتها حقها في ممارسة مهامها الرقابية والأكثر من ذلك فان السلطة التشريعية و مجلس الامة ( الاعيان و النواب ) أصبحا بيد كل حكومة قائمة و ذلك لان فساد طريقة الانتخاب صارت تمكن كل حكومة من حله و اجراء انتخابات جديدة اذا رغبت في ذلك وعلى اساس ذلك فانه لم تمارس اية انتخابات حرة طيلة عمر التجربة البرلمانية خلال فترة الحكم الملكي كله . حيث كانت الحكومة تتدخل لتزييفها ،وسادت الاحكام العرفية اكثر من نصف فترة العهد الملكي ،وخصوصاً على يد نوري السعيد من اجل احكام قبضته على الحكم بدعم و تشجيع من قبل البريطانيين .
وفي عام 1954 قام نوري السعيد بحل البرلمان بعد اول اجتماع له فقد كانت نتائج الانتخابات النيابية غير مرضية لبعض اقطاب السياسة العراقية مما كان سبباً رئيسياً في لجوء نوري ا لسعيد الى سياسة اصدار المراسيم ومن اهمها قانون الجمعيات رقم 19 لسنة 1954حيث كان المقصود من وراء إصدار هذا القانون هو حل الجمعيات و الأحزاب السياسية حتى تسيطر الحكومة على عملية اعادة تاسيسها من جديد وفق الاهواء السياسية السائدة في ذلك الوقت.

ثانيا- مرحلة النظام الجمهوري ( 1958- 9/4/2003)

نتيجة لممارسات الحكومات الملكية قام الضباط الاحرار في الرابع عشر من تموز 1958بثورة قضت على الحكم الملكي في العراق كذلك الغت القانون الاساسي لسنة 1925 و اصدرت دستوراً مؤقتاً في 27 تموز 1958 .
أن جبهة الاتحاد الوطني التي منحت حركة الضباط الاحرار صفة الثورة بسبب تحشيدها الشارع و تعبئتها الجماهير من اجل دعم الجيش و الوقوف بجانبه لم تستمر في دعمها ذاك إذ سرعان ما دبت الخلافات بين الاحزاب المكونة لها ، فقد بدا الخلاف بين التيار القومي و الحزب الشيوعي ولم يبقى ذلك الخلاف في حدود الصراع الفكري و العمل على كسب الجماهير بالطرق الديمقراطية بل ادى الى الاحتراب و التصعيد بين هذين التيارين (القومي و الشيوعي) . لقد اُفسدت الحياة السياسية في العراق من قبل الأحزاب السياسية نفسها في تطاحنها و تنافسها المبني على اسس غير ديمقراطية مما اوصل الامور الى العنف و العنف المضاد مما هيئا الاجواء لقيام أنقلاب 8 شباط 1963 الدموي الذي كان اساساً لوصول الزمرة الصدامية و أستيلائها على السلطة والتي استمرت قرابة(35) سنة حيث ادخل العراق في النفق المظلم من النظام المقبور .
ان اهم ما يتميز به التاريخ العراقي المعاصر هو :

1- الاضطراب السياسي والذي اتخذ شكل عدة محاولات قامت بها الاطراف العسكرية لتغيير نظم الحكم السائدة في العراق، فتداول السلطة كان يتم بالقوة وليس عن طريق الوسائل الديمقراطية .


2- تناقض البيئة الاجتماعية
تعتبر البيئة الاجتماعية المتناقضة من ابرز ما يتميز به المجتمع العراقي ، كما انها تعتبر من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في ترسيخ عدم الاستقرار الإثني و الديني و فقدان الوحدة الاجتماعية حيث يتكون الشعب العراقي من قوميات مختلفة (عربية ،كوردية،تركمانية وكلدو اشورية) و يعتنق غالبية السكان الدين الاسلامي بالاضافة الى الديانة المسيحية و الايزدية و الصابئة والكاكائية وغيرها .
كما ان وجود التباين و التنافر الفكري و السياسي قد عزز هذا التناقض فهناك (الاحزاب الشيوعية و الاحزاب القومية و الاحزاب الاسلامية ... و غيرها.
و تعاني معظم هذه الاحزاب من انقسامات و صراعات داخلية ادت الى انشطارها الى مجموعات اصغر رغم اتحادها في المبادىء و الاهداف .

3- المنازعات الاقليمية و الانعزال السياسي
هذه الصفة لازمت العراق منذ بداية نشأته و ما زاد من عزلة العراق وجود نزاعات سياسية بينه وبين دول الجوار على قضايا مختلفة وغالبية هذه النزاعات سببها تحكم فئة من القابضين على السلطة بمصير ومقدرات العراق و حرمان الشعب من حقه في المشاركة في صياغة القرار السياسي .

4- وجود الثروات الطبيعية
لم تفكر الحكومات العراقية المتعاقبة في استخدام النفط بصورة عقلانية لبناء الاقتصاد العراقي و ارساء بنية تحتية رصينة تستخدم كقاعدة لمجتمع انتاجي عصري متطور بل على العكس فقد اصبح النفط نقمة على الشعب العراقي حيث استخدم لبناء الترسانة العسكرية التي استعملت ضد الشعب العراقي و جلبت على العراق الويلات و الدمار و الحصار .

ثالثاًً:- العــــــــــــــــراق الجديـــــد

تكثر التساؤلات عن مدى ديمقراطية الاجواء االسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في العراق بعد سقوط النظام الصدامي في التاسع من نيسان سنة 2003 وهذه التساؤلات لها ما يبررها لاسباب كثيرة تعرفنا عليها من خلال عرضنا الموجز للمراحل التي مر بها العراق منذ سنة 1921 والى سقوط النظام المقبور.ان موضوع الديمقراطية يمس بالصميم حياة العراقيين ومستقبل اجيالهم وعلينا ان ننظر الى مستقبل العراق بعين التفاؤل فطالما ناضلت القوى الوطنية العراقية وحاربت الدكتاتورية وتشكلت احزاب المعارضة بالرغم مما كانت تعانيه من النظام السابق الذي لم يكن يسمح لها بالعمل في العراق وتوحدت جهود قوى المعارضة من خلال عقد مؤتمرات خارج العراق وبعد الاطاحة بالنظام شهدت الساحة العراقية ممارسات ديمقراطية حيث التعددية الحزبية ونشوء منظمات المجتمع المدني و دأبت هذه القوى في البحث عن صيغة ديمقراطية لادارة العراق وبعد انتقال السيادة تشكلت الحكومة الانتقالية حيث تم التركيز على موضوع الديمقراطية واحترام حقوق الانسان العراقي وضمت التشكيلة الوزارية عدة وزارات متخصصة بمواضيع المجتمع المدني وحقوق الانسان كما تم عقد المؤتمر الوطني لاختيار اعضاء الجمعية الوطنية المؤقتة ويجري العمل على اجراء الانتخابات العامة في العراق . لقد اجمع المفكرون على ان الديمقراطية هي المخرج الاساسي للشعوب من مأزقها فلا يمكن بدون الديمقراطية الحديث عن تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية او توفير العدالة الاجتماعية كما لا يمكن بدون بروز الشعب كطرف اساسي في المواجهة و مشاركته الفعلية في صياغة السياسات العامة و تحديد اولوياتها ان تحقق نجاحاً في مواجهة المخاطر و التحديات . ان الانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية يتطلب تحرير الانسان و اطلاق طاقاته لان الديمقراطية هي ممارسة و اسلوب لتسيير المجتمع و ادارة صراعاته بوسائل سلمية ، وهذا يتطلب سيادة قيم معينة و مؤسسات تضع الديمقراطية وفق هذا المفهوم موضع التطبيق.




المبحث الثالث
دور مؤسسات المجتمع المدني في بناء الديمقراطية في العراق

هناك علاقة قوية بين مؤسسات المجتمع المدني و بين التحول الديمقراطي في المجتمع .فقد سبق ان اوضحنا بان الديمقراطية هي مجموعة من قواعد الحكم التي تنظم من خلالها الادارة السلمية للصراع في المجتمع بين الجماعات المتنافسة او المصالح المتضاربة ،وهذا هو نفس الاساس للمجتمع المدني ،فمؤسسات المجتمع المدني تعتبر من اهم قنوات المشاركة الشعبية بالرغم من انها لا تمارس نشاطاً سياسياً مباشراً و انها لا تسعى للوصول الى السلطة السياسية الا ان اعضاء هذه المؤسسات هي اكثر قطاعات المجتمع استعداداً للانخراط في النشاط السياسي الديمقراطي ،بالاضافة لهذا فان الادارة السلمية للصراع و المنافسة هي جوهر مفهوم المجتمع المدني . ان تعثر التحول الديمقراطي في العراق يرجع الى غياب او توقف نمو المجتمع المدني وما يستتبعه من تعزيز القيم الديمقراطية و ازدهار ثقافة مدنية ديمقراطية توجه سلوك المواطنين في المجتمع و تهيئتهم للمشاركة في الصراع السياسي وفق هذه القيم .
يمر العراق حالياً بعمليتي بناء مؤسسات المجتمع المدني و التحول الديمقراطي في نفس الوقت . ان العلاقة بين هاتين العمليتين قوية جداً بل يمكن القول بانها عملية واحدة من حيث الجوهر ، ان الدور الهام للمجتمع المدني في تعزيز التطور الديمقراطي و توفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية و تأكيد قيمها الاساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدني وما تقوم به مؤسساته من دور و مهام في المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة و اسلوب لتيسير المجتمع . وهذه المؤسسات هي افضل بيئة لممارسة الديمقراطية حيث تمارس مؤسسات المجتمع المدني في حياتها الداخلية جملة من النشاطات والممارسات الديمقراطية ومن اهم هذه الممارسات :-
1-القيام بنشاط جماعي ضمن حقوق و واجبات محددة للاعضاء .
2-التعبير عن الرأي و تقبل الرأي الاخر و المشاركة في المنافسات و المشاركة في اتخاذ القرارات داخل هيئات المنظمات .
3-ممارسة العضو لحقوقه في التصويت و الترشيح من خلال المشاركة في الانتخابات لاختيار مسؤولي المنظمات و قبول نتائج الانتخابات سواء كانت موافقة لرأي العضو أو غير موافقة لرأيه .
4- يلعب العضو دورا في أهداف النشاط و متابعته و تقييمه و مراقبة اداء الهيئات القيادية للمنظمة .
وتقوم مؤسسات المجتمع المدني بجملة من الوظائف لا تقتصر نتائجها على العمل المباشر لهذه المؤسسات بل تمتد الى المجتمع كله فتوفر لاعضائها خبرات هامة للممارسات الديمقراطية و من هذه الوظائف:-

أولاً :- وظيفة تجميع المصالح
عن طريق هذه الوظيفة يتعلم الاعضاء كيفية بحث مشاكلهم و دراسة الاوضاع القائمة في المجتمع و تحديد كيفية الحفاظ على مصالحهم في مواجه مصالح الفئات الاخرى . كما يكتسبون قدرة متزايدة على التفاوض على هذه المصالح مع الاطراف الاخرى و هذه كلها خبرات ضرورية لممارسة الديمقراطية على مستوى المجتمع كله .

ثانياً:- وظيفة حل النزاعات

من خلال مؤسسات المجتمع المدني يتم حل معظم النزاعات الداخلية بين أعضاءها بوسائل سلمية دون اللجوء الى الدولة و أجهزتها. وبنجاح الاعضاء في حل منازعاتهم بالطرق الودية داخل المؤسسات المدنية فانهم بذلك يكتسبون الخبرة و الثقافة و الاعتراف بالاخر و بحقوقه و مصالحه و الحوار معه و الوصول الى حلول وسط من خلال التفاوض .ان الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني ينبذون العنف كأداة للتغيير وينتهجون السبل الديمقراطية في تحقيق ذلك .

ثالثا:- تحسين أوضاع الأعضاء و زيادة ثروتهم

من خلال هذه المهمة تقوم مؤسسات المجتمع المدني بتوفير الفرص للاعضاء لممارسة نشاط يؤدي الى زيادة دخلهم عن طريق المشروعات التي تنفذها الجمعيات التعاونية الانتاجية و النشاط الذي تقوم به الجمعيات التعاونية الاستهلاكية و غيرها من المشروعات المدرة للدخل التي تقوم بها الجمعيات ،و مشروعات التدريب المهني الذي تقوم بها النقابات المهنيه و العمالية لزيادة مهارات و قدرات اعضاءها مما يمكنهم من تحسين ظروف عملهم و زيادة دخولهم .
ان تمتع المواطنين باوضاع أقتصادية جيدة و قدرتهم على تأمين مستوى دخل مناسب لاسرتهم يساعدهم على ممارسة النشاط السياسي و الاهتمام بالقضايا العامة للمجتمع و على العكس فان سوء الاحوال الاقتصادية يشغل الناس في البحث عن لقمة العيش و بالتالي عدم توفر الوقت الكافي لهم للمشاركة السياسية الامر الذي يعطل التطور الديمقراطي للمجتمع .


رابعاً:- أعداد القيادات الجديدة

لكي يواصل المجتمع تقدمه فهو بحاجة دائمة لاعداد قيادات جديدة من الاجيال المتتالية حيث يتطور المجتمع و تنضج حركته بقدر ما يتوفر فيه من قيادات مؤهله للسير الى الامام باستمرار.والقائد هو ذلك الشخص الذي يتمتع بنفوذ حقيقي على جماعة من الناس تثق به و تسعى اليه كلما واجهتها مشكلة ما . حيث تتلمس منه الحل لهذه المشكلة ،ان ثقة الجماهير في القائد لا تأتي من فراغ بل تتم عبر فترة زمنية مناسبة تختبر خلالها قدرته و قابليته على فهم مشاكلها و كيفية حلها وعلى قدرة تفاعله مع الجماعة و خدمته لها فانه يكتسب شعبيته بين أفرادها .
ان تكّون قيادات بهذا المفهوم يبدأ داخل مؤسسات المجتمع المدني ( النقابات المهنية و العمالية ،و الجمعيات الاهلية و التعاونيات و المنظمات الشبابية و النسائية و غيرها) . حيث تعتبر مؤسسات المجتمع المدني مصدراً لامداد المجتمع بالقيادات الجديدة وقد دلت التجارب بان القيادات النشطة في مؤسسات المجتمع المدني تعتبر القاعدة الاساسية التي تخرج منها قيادات المجتمع المستقبلية ابتداء من اعضاء المجالس المحلية الى البرلمانيين في المجالس التشريعية الى قيادات الاحزاب على كل المستويات بذلك فان مؤسسات المجتمع المدني تساهم في دفع التطور الديمقراطي بالمجتمع من خلال هذه الوظيفة المهمة .

خامسا:- نشر الوعي المدني و الديمقراطي

من الوظائف المهمة التي تؤديها مؤسسات المجتمع المدني هي نشر الوعي المدني و الديمقراطي في المجتمع ،أحترام قيم النزوع للعمل الطوعي ،العمل الجماعي ،قبول الاختلاف بين الذات و الاخر ، حل النزعات بطرق سلمية على اساس الاحترام و التسامح و التعاون و التنافس السلمي بالاضافة الى الالتزام بالمحاسبة و الشفافية في العمل و هذه القيم في مجملها تعتبر قيم الديمقراطية و هي خطوة هامة على طريق التطور الديمقراطي للمجتمع و بدون توافر هذه القيم يستحيل بناء مجتمع مدني ديمقراطي .كما يستحيل بناء هذا المجتمع دون الاعتراف بحقوق الانسان الاساسية و بالاخص حرية الراي و التعبير و التجمع و التنظيم و بذلك فان مهمة المجتمع المدني هي نشر الثقافة المدنية و تطوير التحول الديمقراطي . وتتأكد هذه المهمة ايضاً في نشر هذه الثقافة من خلال الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدني حيث تدرب أعضاءها على هذه القيم .
إن إحدى أهم الممارسات الديمقراطية هي الانتخابات ويمكن أن تلعب مؤسسات المجتمع المدني العراقية دوراً هاماً وكبيراً في الانتخابات التي ستجرى في العراق في موعدها المقرر ويكون ذلك عن طريق العمل على انجاح و الإشراف على سير العملية الانتخابية من قبل ممثلين من منظمات المجتمع المدني .




المصــــــــــــــادر والهوامش

* تم كتابة هذا البحث من قبل كل من الحقوقي ( ديندار شيخاني ) و الحقوقي ( صائب خدر نايف ) في عام 2004 اثناء فترة عملنا في وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني العراقية و باشراف الدكتور ممو فرحان عثمان وزير الدولة لشؤون لشؤون المجتمع المدني.
1- الدكتور حميد الساعدي - القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق - الموصل1990- ص 151.

2- الدكتور رعد ناجي الجدة - تشريعات الجمعيات والأحزاب السياسية في العراق - بغداد -2002 - ص31.

3- الدكتور رياض الأمير- الحملة من اجل المجتمع المدني- مقالة منشورة على موقع الانترنيت.
http://www.sotaliraq.com/

4- الدكتور - سلمان شمسه - العراق و الديمقراطية - مقالة منشورة على موقع الانترنيت.
http://www.ahwazstudies.org/

5- عبد الغفار شكر و الدكتورمحمد مورو- المجتمع الأهلي ودوره في بناء الديمقراطية - ط 1 دمشق -2003 ص 20-21.

6-الدكتور عبد الرحمن رحيم عبد الله - الترابط العضوي بين حقوق الانسان و الديمقراطية - مجلة كاروان الأكاديمي - العدد2سنة1997 - ص 115.

7- الدكتور كاميران الصالحي حقوق الانسان و المجتمع المدني بين النظرية و التطبيق ط-2- اربيل -2000- ص232.

8- منصور الجمري - دروس حول المفاهيم السياسية - مقالة منشورة على موقع الانترنيت .
http://www.vob.org/
9-مصدق محسن الجنابي - الديمقراطية و العراق - مقالة منشورة على موقع الانترنيت.
http://www.iraker.dk/
10- محمد محفوظ - العراق و التحول الديمقراطي - مقالة منشورة على موقع الانترنيت. writers.alriyadh.com

ليست هناك تعليقات: