بحث هذه المدونة الإلكترونية

كلام في الرأي العام



يعد الرأي العام في الكثير من دول العالم المتقدمة من أهم العوامل التي تؤخذ في الحسبان سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، بل وحتى على توجهات أفراد المجتمع أنفسهم، وأصبحت كثير من المجتمعات أكثر انفتاحاً وخضوعاً للمساءلة من قبل الرأي العام بأشكال وصور لم تكن موجودة في السابق. ويلاحظ أن هناك توجهاً حقيقياً نحو تطبيق وتوسيع المشاركة الشعبية في مجالات عدة، وكلما كانت المشاركة الشعبية في الحكم اكثر, كان الرأي العام ذا معنى اعمق وكان حقيقة لا يمكن ان ينكر وجودها أحد. و تتجلى ظاهرة الرأي العام بشكل اكثر شفافية وتكون اكثر جدية في الانظمة القائمة على اساس ارادة واختيار الشعب وتتبنى مبدأ المشاركة السياسية، بل ان معظم المفكرين السياسيين يرون ان هذه الظاهرة هي ملك خاص للمجتمعات التي تتمتع بالديمقراطية الحقيقية. فحقيقة الرأي العام لايمكن أن تتشكل في شفافية وصدق الا في مناخات الحرية والديمقراطية ودولة تحترم القانون وتستوعب اليات العمل الاعلامي في مجتمع حديث يتوق بطبعه الى الكلمة الصادقة والخبر النزيه والتحليل المعمق والرأي النابه والأصيل.كما ان ظاهرة الرأي العام لا يمكن حصرها في الأمور السياسية ، بل ان دائرتها تشمل الحياة بمختلف جوانبها الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية .
لقد اصبح للرأي العام في عالم اليوم هوية خاصة ومعنى جديد، تنشأ عن الظروف الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع الذي يمثله الرأي العام، الامر الذي دفع بالمحققين والمفكرين الى تناول موضوع الراي العام ودراسة ابعاده المختلفة وطرح النظريات والرؤى المتنوعة بشأنه، فما هو الرأي العام ؟
ان إعطاء تصور واضح عن مفهوم الرأي العام يتم عن طرق استعراض التطور التاريخي لهذا المفهوم، وعن طريق توضيح مفردات تعبير الراي العام.
يقول بعض المفكرون والمحققون (ان ولادة الرأي العام تزامنت مع ولادة الديمقراطية والمجتمعات الحديثة)، غير ان البعض الآخر منهم يعتبرون هذه الظاهرة أقدم بكثير مما يتصوره الفريق الاول، فقد كان الرأي العام من القضايا التي كانت تشغل بال المفكرين وتراود اذهانهم، وفي هذا الشأن يطرح المفكر الاجتماعي المعروف (بودان) في القرون الوسطى تعبيرا دقيقا حول الرأي العام حين يقول: (صوت الشعب هو صوت الله) الامر الذي يعكس الاهمية التي يعطيها هؤلاء الى هذه الظاهرة.
ان للرأي العام تاريخ قديم ، فبالرغم من أن مصطلح الرأي العام لم يستخدم بهذا المسمى إلا في القرن الثامن عشر ابان الثورة الفرنسية من قبل (جاك نيكير) وزير المالية في حكم لويس السادس عشر عند حاجة الخزينة الفرنسية الى قروض كانت تحصل عليها من قبل قلة من كبار اصحاب المال، حيث اكد الوزير الفرنسي على ضرورة اكتتاب الاسهم باسم الافراد والاستعانة بـ(الراي العام) على حد تعبيره بدلاً من الاستعانة بالقلة من المستثمرين، وبذلك كان اول من استخدم مصطلح (الراي العام). بيد ان الراي العام كظاهرة كان موجوداً قبل هذا التاريخ، حيث وجد مع وجود المجتمعات البشرية ، فعندما اكتشف الإنسان الكتابة وما رافقها من ظهور الحضارات زادت أهمية الرأي العام، فكان حكام (سومر) و (بابل) و(آشور) يقيمون للرأي العام وزناً لا بأس به، كما تكشف آثار مصر القديمة عن إدراك واضح للرأي العام وتكشف عن أساليب راقية للتأثير فيه وتوجيهه الوجهة المطلوبة مثل (تأليه) الفرعون وتقديس الكهان وتشييد المعابد وإقامة الأهرامات، ولم يكن هذا كله سوى أساليب متطورة للتأثير في الرأي العام. اما للصينين القدماء فكانوا يطلقون على ظاهرة الراي العام تسمية (صوت الشعب).
وكانت المدن اليونانية القديمة تعطي للرأي العام اهتماماً كبيراً، وقد تحدث اعلامهم عن الراي العام وفق تسميات متعددة مثل (راي الاحرار – راي الكثرة والاكثرية – راي الاغلبية ). بيد ان معظم فلاسفة اليونان اتخذوا مواقف منها كانت بعضها سلبية ومنهم سقراط وافلاطون وارسطو . مثل ما جاء في مقولة افلاطون ان (مستلزمات السياسة لا يمكن ان تتأثر بمواقف العامة).
لقد اهتم الرومان بهذه الظاهرة تمثل بوجود جهاز من الموظفين يهتمون براي رعايا الامبراطورية الرومانية ويحملون اسم (ناقلوا الاخبار)، وساد عندهم مصطلح لهذه الظاهرة هو (الاتفاق العام) او (الشسعور الجمعي).
وفي عصر النهضة الاوربية وما بعده تم الاهتمام بظاهرة الراي العام في كتابات مفكري عصر النهضة والعصور الحديثة وصولاً الى يومنا هذا، وابتداء من نيقولا ميكيافيلي (1469- 1527) حدث تطور في كيفية تناول الفكر الفلسفي للـ(الرأي العام).
يرى ميكافيللي (ان الرأي العام عنصر لا بد ان يؤخذ في الحسبان في عملية الصراع من اجل السلطة حيث يقول: ان احسن حصن يوجد في محبة الناس، اذ بالرغم من انك قد تمتلك عدة حصون فانها لن تحميك ان كنت مكروها من هؤلاء الناس ) ويقول: ( ان هدف الامير هو الحفاظ على سمعته وان ثروته تاتي من محبة شعوبه له ).
في القرن الثامن عشر جاءت الثورة الأمريكية عام (1776م) وبعدها الفرنسية عام (1789م) كأبرز حدثين يعبران عن دور وقوة الرأي العام ، هذا الدور الذي عبر عنه وزير المالية (جاك نيكير) ابان الثورة الفرنسية عندما توجه توجه الى الجماهير الفرنسية طالباً منهم المساهمة المالية في بورصة باريس.
ويرى الفيلسوف الانكليزي جون لوك (1632-1704 )(ان الرأي العام هو المعيار الشرعي الذي يمكن بواسطته قياس اداء الحكومة وقوانينها). واكد روسو (1712- 1778) في فرنسا على ضرورة احترام الحكومة للارادة العامة أي للرأي العام .
وشدد (جون ستيوارت ميل) في انجلترا على اهمية ظاهرة الراي العام حين قال ( لو اتفق العالم كله على راي معين ما عدا شخص واحد فليس للعالم الحق في اسكات وقمع ذلك الراي).
اما الفيلسوف (جيرمي بنتام) فقد اكد على اهمية الراي العام كاداة ضبط اجتماعي واعتبرها صمام امان ضد أي نظام استبدادي وربط الراي العام بالديمقراطية واعتبر ظاهرة الراي العام جزءاً لا يتجزا من الديمقراطية.
ثم جاء القرن التاسع عشر الملىء بالأحداث والتغيرات حيث قامت الثورة الصناعية، وتطورت الكشوفات العلمية واختراع وسائل الاتصال الجديدة حتى أصبح الرأي العام ذو سطوة وسلطان كبير. وتطورت الدراسات المتخصصة وانفتحت مجالات وافاق واسعة امام اراي العام ليتم الاهتمام به كمادة علمية، فقام عدد من المفكرين امثال (جورج كور نويل) و ديساي) وبنتلي) بدراسات مهمة في ميدان الراي العام.
و جاء القرن العشرين وتوالت الدراسات والكتب المتخصصة حول هذا الموضوع فتوج انتصارات الرأي العام بمزيد من الانتصارات ذلك أن ظهور الراديو والتلفزيون والسينما قد جعل هذا القرن قرن الرأي العام، وكان للحرب العالمية الأولى التي شهدها هذا القرن أثرهام في تدعيم الرأي العام فظهور الدراسات النفسية في القارة الجديدة بعد هذه الحرب التي ركزت على دراسة السلوك، قادت إلى اكتشاف أن أصل السلوك ما هو إلا بعض صور التهيؤ للعمل وأطلقت عليه مفهوم (المواقف) أو (الاتجاهات) وهذا المفهوم ليس إلا الرأي العام في جوهره، أو القاعدة التي يقوم عليها الرأي العام.
ومنذ بداية الثلاثينات بدأ ما يسمى بأبحاث قياس الرأي العام حيث تقوم هذه الأبحاث بقياس المواقف وردود الأفعال على القضايا والموضوعات التي تشهدها الحياة السياسية والاجتماعية. إن الأحداث الضخمة التي شهدها القرن العشرين والتي هزت الوجدان العالمي بأسره بدءاً من الحرب العالمية الأولى (1929-1932) والحرب العالمية الثانية، قد أثرت بهذا الشكل أو ذاك بالرأي العام وبدوره في الحياة السياسية الوطنية والدولية ،وأصبح للرأي العام دور كبير في صياغة الأحداث وفي توجيهها وبات أصحاب القرار السياسي يضعونه في حساباتهم سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا به.
والرأي العام تعبير يتكون من مفردتين : هما مفردة (الرأي ) ومفردة (العام). بالنسبة للمفردة الاولى فهي تحمل معاني وتسميات ودلالات مختلفة، فالرأي قد يكون تعبيراً او ميلاً او اعتقاداً او اتجاهاً او موقفاً 000 الخ، ومهما تعددت هذه التسميات فان الرأي هو ( نتاج من نتاجات العقل الانساني ، يتم التعبير عنه بشكل واضح صريح او بشكل مستتر كامن، كما يتم التعبير عنه بطرق واساليب وادوات متعددة سواء بالكلمة او الصورة او الحركة اوالنظرة او السكون... الخ.
ان هذا النتاج العقلي يكون (خاصاً) اذا تعلق بمصلحة ومصير صاحبه الفرد، ويكون هذا النتاج (عاماً) اذا تعلق بمصلحة ومصير الجماعة الانسانية على اختلاف اشكال هذه الجماعة مثل الجماعة المحلية، الجماعة القومية، الجماعة الاقليمية، الجماعة العالمية وعلى هذا الاساس فان المفردة الثانية أي مفردة (العام) تقترن بمفردة الجماعة، أي (جماعة الرأي) وهذه تتميز عن مفردات مماثلة لها مثل ( الجمهور ، الشعب، الامة، العامة، الاكثرية، الاغلبية، الحشد 000الخ). حيث ان هذه المفردات قد تعطينا بعض الوضوح حول ما تعنيه (جماعة الرأي) بيد انها لاتعطينا كل الوضوح المتصل بهذا المفهوم، فجماعة الرأي تشير الى مجموعة افراد توجد بين عناصرها علاقة اعتماد متبادل قائم على اساس المصلحة المشتركة وربما المصير المشترك الواحد، على خلاف المفردات الاخرى ( التي تمثل ايضاً مجموعة افراد) بيد ان الروابط بين افرادها لاتصل الى مستوى الروابط الي تربط افراد جماعة الرأي،كأن تكون روابط مؤقتة عابرة كما هو حال روابط جمهور المتفرجين على مباراة لكرة القدم او حشد المتفرجين على حادث مروري او على فيلم سينمائي000 الخ.
ان وجود جماعة الرأي وفق هذه المواصفات يبين لنا ان الرأي العام هو ظاهرة اجتماعية بحكم كونه يتصل بالجماعة وليس بالفرد. وتتعدد التعريفات وتتنوع لدى الباحثين والدارسين لظاهرة الرأي العام، وعلى العموم نستطيع القول بان الرأي العام هو ( رأي الجماعة التي تربط عناصرها رابطة الاعتماد المتبادل حول قضية جدلية تخص مصلحة وربما مصير تلك الجماعة).
يعطي الرأي العام معناه بالنظر الى موقف يتخذه او سلوك يقوم به عدد من الافراد من تلقاء انفسهم او بواسطة دعوتهم الى ذلك بالتعبير عن مشاعرهم كمؤيدين ومدافعين او غير مؤيدين ومناهضين لمسألة معينة او شخص معين او لاقتراح ما، وهو مجموع الاراء التي يتخذها الافراد ازاء مسألة او قضية متنازع عليها قابلة للجدل .
ان الرأي العام يشكل حكما عقليا يصدر عن جمهور تربطه مصالح مشتركة وشعور بالانتماء ازاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات بما يثير جدلا عقليا يكون حصيلة نقاش حر بين قوى محافظة وأخرى مجددة، فالرأي العام حينئذ هو رأي تعبر عنه الأغلبية تجاه قضايا معينة بعد أن تخوض فيه النخب وطلائع المجتمع ووسائل الاعلام لا الدعاية بشكل حر يعكس مناخا ديمقراطيا وتعدديا في العملية الحوارية. واذا كان الرأي العام يفترض رأيا تعبر عنه الأغلبية وتجنح اليه في ظل مناخات الحرية الحقيقية, الا أن كينونته ووجوده لاتلغيان أبدا حقيقة اراء تعبر عنها الأقليات ولكن قد تحملها الظروف السياسية والاجتماعية على أن تصبح رأيا للأغلبية وبالتالي تشكيل رأي عام. من ذلك نستنتج بان هناك ثلاثة عناصر اساسية تكّون الرأي العام ، وهي :الجماعة و القضية والموقف .
§ لقد اشرنا سابقاً الى المقصود بالجماعة. ونضيف الى ذلك بانه لايمكن تكوين الرأي العام بالاستناد إلى أوساط معينة وتغييب أوساط أخرى، فعندما لا تتحقق مصلحة جماعة أو دولة معينة عند هذه الأوساط تقوم بتغييبها مما يجعلها تقوم بتزييف الحقائق ، وتبيان الحالة على أن هناك رأيا عاما يؤيد قضيتها أو موقفها بينما الواقع غير ذلك تماما
§ اما العنصر الثاني فهو القضية واحياناً يطلق عليه عنصر المشكلة او الحدث او عنصر الموضوع ولابد من الاشارة بان القضية التي تشكل محوراً للراي العام لابد ان تتسم بصفة الجدل، بمعنى يجب ان تكون قضية غير محسومة ومختلف عليها ومشكوك فيها، أي ان القضايا المتفق عليها والمحسومة علمياً او عرفياً لايمكن ان تكون قضية. والراي العام لايتناول القضايا الثابتة المتفق عليها كالعقائد والثوابت الفكرية والاجتماعية. لانه موقف اختباري يتخذه المرء إزاء قضية مثيرة للجدل. ولابد من الأخذ بالرأي العام في جميع القضايا ، فالاخذ بالرأي العام في العديد من القضايا العالقة يؤدي الى حلها. كما ان الرأي العام يهتم بالقضايا القائمة أو المتوقع حدوثها قريبا ، وتشغله القضايا الأكثر أهمية عن القضايا الأقل أهمية .
§ اما العنصر الثالث أي ( الموقف ) فهو ياتي عبر تفاعل افراد جماعة الراي ضمن حوار ومناقشات مباشرة او غير مباشرة علنية او غير علنية تنتهي باتخاذ موقف يمثل الاغلبية وترضى عنه الاقلية ضمن اطار جماعة الراي . كما ان الراي العام هو عمل من أعمال الإرادة وعلى هذا الأساس فإن الموقف إزاء الكوارث الطبيعية لا يمكن أن يسمى رأيا.
تجدر الاشارة هنا الى ان الراي العام ليست له صفة الثبات وأن من طابعه التغير وفقا لما يستجد من مواقف ومفاهيم واحتياجات، حيث تتسم ظاهرة الرأي العام بالديناميكية والتحول بتحول الزمان والمكان وهي غير ثابتة وغير جامدة لأنها تتعلق بقضايا ومسائل تثير الحوار والجدل والنقاش. كما انه ليس بالضرورة أن يكون الرأي العام منصفا أو صائبا وإنما يتعلق سلبا أو إيجابا بالعوامل التي سنذكرها لاحقاً.

اهمية الرأي العام

الرأي العام يشكل عاملا مهما وخطيرا في المجتمع الذي له نفوذ في رأيه العام ، إذ يعد بالنسبة للمجتمع سلاحا يستخدمه ويواجه به الغير كلما دعت الضرورة والحاجة إليه ، فالحكومات تخشى مثل هذا المجتمع الذي يمتلك هذا السلاح ، باعتبار ان لديه القدرة على إزاحة هذه الحكومات التي تخرج عن رأي المجتمع في قضية ما أو أي أمر آخر له اهتمامه في أي وقت ، وخاصة إن كانت هذه القضية تضر بمصالح المجتمع او تحقق مصالح شخصية على حساب المجتمع . ففي الدول التي تتمتع بقوة الرأي العام، يلاحظ بان الحكومات تخضع للرقابة الشعبية ، ودائما ما تضع الحكومات أعمالها تحت المجهر، وأن الحذر دائما ما يسودها في أي خطوة تتخذها. كما تسعى الحكومات إلى جعل الرأي العام في صدارة اهتماماتها، ليس من جهة الاستجابة لآماله وطموحاته فحسب، بل من زاوية التأثير عليه وتغذيته باستمرار بالمعلومات والأفكار التي تجعله مسانداً لبرامجها في المجالات المختلفة.
بات مفهوم الرأي العام في التاريخ المعاصر يأخذ شكلاً أكثر نضجاً ووضوحاً، فقد انتفض الرأي العام ليرغم حكوماته على تعديل خططها، والاستجابة لواقع يزول فيه الظلم والحيف الذي وقع على شعوب أخرى. ففي جنوب أفريقيا أدى نضال حركة التحرر للأغلبية السوداء إلى تحويل النظام العنصري إلى عبء أخلاقي وسياسي واقتصادي على مجمل النظام الغربي، واضطرار الأخير في نهاية المطاف إلى سحب مساندته للأقلية البيضاء، والإقرار بأحقية الأغلبية في الحرية وتقرير المصير. إذا فاهمية الرأي العام تكمن في:
§ انه يعتبر اطاراً مفيداً ومناسباً يستطيع المرء من خلاله ان يعلن رأيه في القضايا الجارية في المجتمع.
§ انه يملك القدرة على زيادة درجة التضامن بين افراد المجتمع واتجاهاته المختلفة.
§ قدرته على اخراج الافكار والمعتقدات الخفية من الزوايا القابعة فيها الى السطح وطرحها على الجميع.
§ تشجيع الناس الى المشاركة السياسية عدم الوقوف موقف اللامبالاة.
§ اهتمت وسائل الاعلام بالرأي العام بهدف التاثير عليه وفرض قناعات خاصة.
§ انه اداة ضغط فاعلة على الحكومة لاتخاذ القرارات والمواقف المقبولة من قبل المجتمع.
وعلى الرغم من هذه الاهمية البالغة التي يتمتع بها الرأي العام الا انه ليس غولا غير قابل للمعرفة، بل هو ظاهرة قابلة للدراسة والتحقيق والتكهن بمختلف جوانبها، ولهذا السبب نرى بان لهذه الظاهرة موقعا خاصا في الدراسات الحديثة وخاصة تلك التي تتناول قضايا الاعلام ووسائل الاتصالات. فالرأي العام لا يمثل مجموعة من الآراء المختلفة وانما هو محصلة تداخل وتشابك الاتجاهات المختلفة في المجتمع القائم على اساس التفاهم والتنافس، وتتجلى باروع صورها من خلال الانتخابات.
العوامل المؤثرة في تكوين الراي العام
الرأي العام عبارة عن محصلة جملة من عوامل ومؤثرات ووسائل متعددة تؤثر في قضية معينة أو عدة قضايا لها أطرافها المتنازعة، ويقصد بالعوامل المؤثرة: العوامل التي تؤثر في الراي العام لا من حيث وجوده بل من حيث اتجاهه وقوته وشدته ومديات انتشاره، ومن هذه العوامل :
1. عامل الثقافة المجتمعية ويقصد بالثقافة المجتمعية مجموعة السنن والتقاليد والعادات والاداب والقيم والعقائد والافكار والخبرات وهي تشكل جميعاً منظمومة الثقافة للمجتمع، فعندما تواجه جماعة معينة قضية ما فان هذا المنظومة تلعب دورها في تشكيل وانتاج او اعادة انتاج راي عام بصددها. لذلك نرى بان كل النظم السياسية والمؤسسات الرسمية تاخذ هذه المنظومة بنظر الاعتبار حينما تتخذ اجراءاً او قراراً معيناً.
2. انتشار وسائل الاعلام المختلفة على نطاق واسع جداً، وسهولة الاتصالات وتنوع اجهزتها التي جعلت العالم كله بمثابة قرية واحدة من حيث سرعة الاتصالات وانتشار الأخبار.
3. ارتفاع مستوى التعليم في المجتمع مع ازدياد عدد المتعلمين والمثقفين وتنوع الاساليب التي تبعث الحياة والحركة في المجتمع وفي الابعاد والمجالات المختلفة، فالتحقيقات التي جرت بهذا الخصوص اشارت الى ان الطبقة المثقفة وبسبب ارتفاع مستواهم الثقافي يلعبون دورا مؤثرا جدا في تشكيل الرأي العام بل وسوقه بالاتجاه المطلوب وتحقيق الغايات المرجوة. فكلما أعطيت الشعوب فرصة أكبر في التعليم كان الرأي العام أكثرنضجا وواقعية
4. ويرتبط الراي العام بالوعي، فهو يوجد عندما تطرح أمام الشخص أو أمام أعضاء الجماعة قضايا تتجاوز بتأثيرها نطاق العواطف لتدخل نطاق الوعي وهذا التجاوز هو الذي يتيح فرصة ضمان ثبات الرأي ووضوحه.
5. النشاط الاجتماعي، فاصحاب المهن الحرة وسكان المدن والتشكيلات المنسجمة يتركون بصماتهم واضحة في تشكيل الرأي العام وظهوره.
6. في المجتمع الذي تحمل فيه المشاركة السياسية معانيها القانونية والحقيقية يكون الرأي العام اكثر قوة واكثر وضوحا. خاصة اذا كان هذا المجتمع يرى في نفسه القدرة على احداث تغييرات اساسية في الاوضاع والقوانين الاجتماعية الحاكمة فيه.
7. الزعماء في المجتمع، فالزعيم التقليدي او الحديث يلعب دوراً مؤثراً في تكوين الراي العام وفي تغييره وانتشاره وشدته. وكلما كان المسؤولون الاجتماعيون والزعماء السياسيون في المجتمع يظهرون اكثر امام الناس ويناقشونهم من خلال الندوات والمؤتمرات والاجتماعات حول القضايا التي يعيشها المجتمع يكون الرأي العام في ذلك المجتمع اكثر وضوحا وشفافية منه في غيره من المجتمعات التي يختار زعماؤها الاجتماعيون والسياسيون الحياة في الظل بعيدا عن الاضواء او قد لا يستطيعون رغما عنهم الكشف عن وجودهم وهويتهم بشكل علني خشية التعرض لعقاب الانظمة الحاكمة، حيث يكون الرأي العام في هذه الحالة باهتاً وضعيفا ولا يقدر على التعبير عن نفسه وعن موقفه ازاء القضايا الجارية في المجتمع.
8. طبيعة الاحداث : يتأثر الرأي العام بالأحداث أكثر من تأثره بغيرها ، فهو شديد الحساسية بالنسبة للأحداث الهامة، فبالاضافة الى ان الحدث يشكل بحد ذاته عنصراً مكوناً للراي العام فان طبيعة الحدث تؤثر على الراي العام واتجاهه وشدته، فاذا كان الحدث عادياً كان الراي العام عادياً وبالعكس اذا كان الحدث غير عادي ترتب على ذلك راي عام غير عادي.
العلاقة بين الرأي العام والنظام الديمقراطي
في الانظمة الديمقراطية القائمة على اساس اختيار الشعب لها وتتبنى مبدأ المشاركة السياسية وتوسيع نطاقها، تتجلى ظاهرة الرأي العام بشكل اكثر شفافية وتكون اكثر جدية، بل ان معظم المفكرين يرون ان ظاهرة الراي العام هي ملك خاص للمجتمعات التي تتمتع بالمشاركة السياسية من قبل جميع الاتجاهات والتيارات. وكلما كانت المشاركة الشعبية في الحكم اكثر واوسع، كان الرأي العام ذا معنى اعمق وحقيقة شاخصة لا يمكن ان ينكر وجودها أحد. حيث يتم استخدام الرأي العام من قبل الأنظمة السياسية الديموقراطية لتؤكد أن حكوماتها معبرة عن رأي الناس لاعن رأيها هي، ولايمكن أن يتشكل الرأي العام بشفافية وصدق الا في مناخات الحرية والديمقراطية ودولة تحترم القانون وتضمن لافرادها الحريات الاساسية بوجه عام، وحرية الرأي والصحافة والكتابة والنشر والاعلام وحرية الاجتماع والتنظيم بوجه خاص، وتستوعب اليات العمل الاعلامي في مجتمع حديث يتوق بطبعه الى الكلمة الصادقة والخبر النزيه والتحليل المعمق والرأي النابه والأصيل. ويجمع الباحثون والمختصون على أن الديمقراطية تشكل خير ضمان من أجل أن يكون الرأي العام معبرا حقيقيا عن مؤشرات الرضا أو السخط تجاه تقييم المسائل والمشكلات التي تواجه المواطن والمجتمع , وكلما نمت مستويات التعليم وارتفعت معدلات النمو الحقيقي لا المغشوش واقترن ذلك بمناخات صادقة للحرية, الا وكان الرأي العام شفافا وصادقا وأمينا في عكس تطلعات الناس وامالهم والامهم وتقويماتهم وتصوراتهم عما يستجد للمجتمع من قضايا وحاجاتوعلى اعتبار أن المناخ الاجتماعي للناس والحاجات الاقتصادية تلعب هي الأخرى دورا مؤثرا في توجيه الرأي العام. ففي الدول التي تأخذ بأنظمة حكم ديمقراطية نجد أن للرأي العام دوراً مهماً في رسم وتعديل الأوضاع الأساسية التي تهم المجتمع كالأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والصحية وغيرها من المجالات الحيوية. كما يشكل الرأي العام عاملا مهما وخطيرا في المجتمع الذي له نفوذ في رأيه العام ، إذ يعد بالنسبة للمجتمع سلاحا يستخدمه ويواجه به الغير كلما دعت الضرورة والحاجة إليه ، فالحكومات تخشى المجتمع الذي يمتلك هذا السلاح ، باعتبار ان لديه القدرة على إزاحة هذه الحكومات التي تخرج عن رأي المجتمع في قضية ما أو أي أمر آخر له اهتمامه في أي وقت ، وخاصة إن كانت هذه القضية لا تخدم المجتمع أو أنها تلحق به ضررا أو أنها لا تناسب وتطلعات المجتمع أو أنها تحقق مصالح شخصية على حساب المجتمع . ويلاحظ في مثل هذا المجتمع بان الحكومة تكون خاضعة للرقابة الشعبية ودائما ما تضع الحكومة أعمالها تحت المجهر، وأن الحذر يرافق أي خطوة تتخذها . والمسألة التي لابد من الاشارة اليها هنا هي ان بعض المنظرين والمحققين، يعتبرون ان ولادة الرأي العام تزامنت مع ولادة الديمقراطية والمجتمعات الحديثة. وكلما اتجهنا نحو الانظمة الديمقراطية نرى ان الرأي العام هو المانح الاول للثقة والشرعية للانظمة القائمة وميزة النظم الديمقراطية انها تضمن التغيير السلمي في المجتمع بما تفسحه من مرونة في الاستجابة للرأي العام واتاحة الفرصة للتعبير عن الاراء المختلفة وهو المحرك الذي يجعل الديمقراطية تتحقق، حيث ان مراعاة توجهات الرأي العام يضفي صفة الديمقراطية على المجتمع عامة، وتنطلق هذه الاطروحة من خلفية مفادها ان شبكة التأثير في المجتمع الليبرالي تقوم على بنية تتأسس على علاقة التفاعل المتبادل بين كل من الدولة والصحافة والرأي العام فالدولة تؤثر في الصحافة التي تؤثر بدورها في الرأي العام والرأي العام يؤثر في الصحافة التي تؤثر بدورها في الدولة .
الحقوقي ديندار شيخاني
كاتب وناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني
11-07-2006

ليست هناك تعليقات: