بحث هذه المدونة الإلكترونية

مصير الدولة العراقية بات على المحك.



في كل مرة يتعرض العراق فيها لنكسات ونكبات سواءاً كانت سياسية أو أمنية فإننا نسمع تصريحات واحاديث للمسؤولين العراقيين يحاولون فيها تقديم المبررات والأعذار لما يصيب العراق وشعبه، سواءاً بالقاء العتب واللوم وتوجيه التهم الى اشخاص أو مسؤولين آخرين في الدولة، أو انهم يتجاوزون الحدود لكي يلقوا باللوم على دول الجوار ولم نسمع يوماً اعترافاً لأي مسؤول بخطئه و بذنبه في حدث من الاحداث.
لعل ما يدعوا الى السخرية هي تصريحات بعض المسؤولين حول الاحداث المريعة الاخيرة ومحاولتهم لتبرير سقوط محافظات عراقية كاملة بيد مجموعة من العصابات الارهابية، ومن تلك المبررات: ان مؤسسات الدولة العراقية مازالت ناشئة والجيش العراقي لازال في طور النشوء ولم يكتمل بناءه بعد. ولعل ما يدعوا الى سخرية اكثر هو زعم البعض بأن اجهزة الموبايل الموجودة عند الجيش هي كانت السبب في ذلك السقوط، حيث يزعمون بأن ضباط الجيش قد تلقوا رسائل وهمية تأمرهم بعدم القتال والى الانسحاب من مواقعهم.
لكن أي من المسؤولين العراقيين وخصوصاً الكبار منهم والذين يتربعون قمة هرم السلطة، لم يقتربوا من الحقيقة ولم يعترفوا بأنهم هم المسبب الرئيسي لهذه الانهيارات الكبيرة التي تدفع بالعراق الى حافة الهاوية.. صحيح ان البعض منهم يعزون سبب ذلك الى نظام المحاصصة والطائفية المقيتة التي تنخر بالجسد والكيان العراقي، ولكنهم لا يعترفون بانهم هم انفسهم الذين اوجدوا هذا النظام وكرسوه وعملوا على بقاءه طوال السنوات التي اعقبت سقوط نظام صدام، فهم لم يقوموا ببناء مؤسسات الدولة واجهزة السلطة السياسية والادارية على اساس صحيح، بل إنها مبنية على اساس المحاصصة بدءاً بالرئاسات الثلاث الجمهورية ومجلس الوزراء والبرلمان ومروراً بالوزارات وهلم جرا، وحتى الجيش والاجهزة الامنية لم تسلم من هذا النظام، ولاشك بأن الآثار السلبية لهذا النظام واضحة على المجتمع العراقي ودولته من كافة النواحي.
 وإذا كان البعض يحاول دائماً أن يجعل من الإرهاب ومن عدم نضوج وإكتمال قدرات وقابليات الاجهزة الامنية العراقية في مواجهة تهديدات الارهابيين شماعة يعلق عليها اخطائه، وإن الارهاب هو السبب الذي يمنعهم من بناء العراق وتوفير الخدمات لمواطنيه، فإنهم لا يعترفون بأن رغبتهم بالاستغلال والتفرد بالسلطة وتهميش الآخر على اساس مذهبي، أو إن سرقاتهم وفسادهم هو الذي اعاق بناء مؤسسات الدولة واجهزة الجيش والشرطة والامن، ولم يبينوا مصير مليارات الدولارات التي انفقت طوال السنوات التي اعقبت سقوط نظام صدام.
إن الدولة العراقية تمر بظروف وازمات صعبة تهدد مصيرها في البقاء وبات التفكير بتقسيم العراق على الاساس المناطقي والطائفي والمذهبي هو اكثر الحلول نجاعة،خصوصا وأن طبيعة وتشكيلة المجتمع العراقي وتنوعه الطائفي تشكل تربة خصبة لنمو هكذا افكار، وهذا القول لم يأت من فراغ بل ان مجريات الاحداث تنبأ بذلك وتدعوا اليه. فقد اضحت مسألة الولاء للعراق على المحك، والولاء تحول الى الولاء للطائفة وللعشيرة وللمذهب. وبات التعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة ضمن اطار الدولة الواحدة مثار شك وجدل، وهناك الكثير من العلامات والبراهين على ذلك.
تظهر وسائل الاعلام في كثير من الاحيان حجم الخلاف الواقع بين مكونات المجتمع العراقي المتنوعة، فبعض السياسيين واعضاء البرلمان لايخفون ما يترواد في مخيلاتهم وانفسهم من خطط وحتى مشاعر الحقد والكراهية تجاه الآخر، بل انهم يعلنون عن ذلك ويظهرونه صراحة كلما سنحت الفرصة بمناسبة أو بدونها سواءاً من خلال المقابلات أواللقاءات أوالحوارات النارية التي تجري بينهم على شاشات القنوات التلفزيونية، لابل ان الحوار في كثير من الاحيان لايخلو من العراك وتبادل الاتهامات وحتى الكلمات البذيئة التي تدل على حجم التصدع والشرخ الطائفي في المجتمع العراقي.
كما إن الاحداث الاخيرة التي عصفت وتعصف بالعراق كشفت النقاب وبشكل لايقبل الشك عن واقع وحجم الانقسام الطائفي في العراق، وذلك من جوانب عديدة: فالنبرة الطائفية ظاهرة للعيان من خلال احاديث بعض الكتاب والمحللين والسياسيين والمثقفين، ولعل الكثير قد شاهد ويشاهد يومياً المشاهد والمظاهر المخزية التي يظهر فيها البعض من هؤلاء في وسائل الإعلام حتى وصلت الحالة بهم الى المشادات الكلامية لابل التشابك بالايدي، وهذه المظاهر تدل على عدم وجود رابطة المواطنة بين هؤلاء بقدر ما تشير الى مايحمله كل طرف من حقد وضغينة تجاه الاخر.
ومن جانب آخر فان هناك مظاهر لـ"طفئنة" المجتمع عسكرياً ايضاً وذلك بعودة ظهور العديد من الميلشيات الطائفية من جديد في العديد من المناطق العراقية، هذه المظاهر لاشك في انها تشكل خطورة على أمن المجتمع العراقي ووحدة نسيجه الاجتماعي، قبل ان تكون لها بعض الفوائد المزعومة من قبل البعض في ان تلك الميلشيات ستقوم بالتصدي ومواجهة الارهاب والارهابيين. ولعل التجربة العراقية مع الميلشيات طوال السنوات التي اعقبت سقوط النظام والجرائم اللاانسانية الذي ارتكبتها العديد من تلك الميلشيات وما قامت به من تهجير طائفي في العديد من المحافظات العراقية المختلطة مذهبياً دليل واضح على ما تحمله تلك الميلشيات من خطورة في زيادة التصدع والحقد الطائفي. علاوة على قيام الحكومة بدعم رجال العشائر زعماً منها في انها ستقوم بطرد الارهابيين.
ان الحكومة وبسياستها تلك تقوم بخلط الاوراق وتقوم بصب المزيد من الزيت على النار، فتارة يسمى هؤلاء بالثائرين على السياسات الخاطئة التي تنتهجها الحكومة، وتارة يسمى هؤلاء بالثائرين بوجه القاعدة وعملياتها. ومن كان صديقاً بالأمس قد اضحى عدواً اليوم والعكس صحيح. ان اللجوء الى دعم الميلشيات وغيرها من المجاميع المسلحة التي تحمل تسميات متعددة لاشك بانه يضعف من فرص اكتمال بناء الدولة العراقية من جميع النواحي، لابل انها تزيد من فرص الانقسام داخل المجتمع حيث يؤدي ذلك الى عسكرة المجتمع وتنامي المشاعر العداء والبغضاء بين مكوناته المختلفة. كما ويمنع من اكتمال بناء الاجهزة الامنية ويضعف من قابلية الجهاز المناعي لديها في مقاومة الانقسام والارهاب، وهو خير دليل على ضعف الحكومة واجهزة الدولة بتشكيلاتها الحالية وتخبطها في مواجهة الاحداث التي تصعف بالبلاد الى المصير المجهول.

ديندار جيجو.


ليست هناك تعليقات: