بحث هذه المدونة الإلكترونية

هل يمكن للمحكمة الجنائية الدولية النظر في الجرائم التي ارتكبت بحق الايزيديين؟



الحقوقي : ديندار جيجو .

من ضمن المطالب التي يطالب بها الايزيديون بعد تعرضهم الى ابشع الجرائم والانتهاكات على ايدي عناصر تنظيم داعش الارهابي اثر اجتياح الاخير للقرى والقصبات والبلدات الايزيدية في مدينة سنجار في الثالث من آب 2014، ، فهي مطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بأن ما تعرض له الايزيديون هي "ابادة جماعية" .. وقد اثار بعض القانونيين تساؤلات حول ما اذا بامكان المحكمة الجنائية الدولية ممارسة سلطتها القضائية على تلك الجرائم التي ارتكبت بحق الايزيديين ؟؟ حيث يشيرون الى عقبة قانونية وهي إن العراق ليس طرفاً في "نظام روما الأساسي". لذلك فقد رأينا من الضروري تناول هذا الموضوع وهو ما سنحاول توضيحه ادناه.
من اجل التعرف على موقف القانون الجنائي الدولي من الجرائم التي ارتكبها تنظيم "داعش" بحق الايزيديين، فانه لابد من الاطلاع على " نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة" الذي تم اعتماده في 17 تموز 1998 ودخل حيز النفاذ في 1تموز 2002، والذي يعد بحق من اهم الوثائق القانونية الدولية التي تجٌرم الافعال التي ترتكب بحق مجموعة دينية أو عرقية أوقومية أو إثنية . وبموجب هذا النظام فقد تم انشاء المحكمة الجنائية الدولية، وهي كيان دولي مهمته محاكمة ومعاقبة من يرتكب اشد أنواع الجرائم خطورة والتي تهز الضمير الإنساني وتهدد الامن والسلم الدوليين، وهي تعد أول محكمة دائمة يتم تأسيسها بموجب معاهدة دولية غرضها المساعدة في وضع نهاية للإفلات من العقوبة لمرتكبي أكثر الجرائم خطورة على المستوى العالمي مثل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان. وهذه الجرائم تمثل الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية. وقبل ذلك لابد من التعرف على الاختصاص المكاني لهذه المحكمة.

-
الاختصاص المكاني للمحكمة الجنائية الدولية:

فيما يخص الاختصاص المكاني فان المحكمة تعتمد في المقام الاول على مبدأ " الاختصاص الجنائي الاقليمي " والذي يعني بأن ترتكب الجريمة في اقليم دولة طرف في النظام الاساسي للمحكمة أو أن ترتكب الجريمة من قبل أحد رعاياها .. حيث ان الفقرة 2 من المادة 12 تجيز "للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول التالية طرفاً في هذا النظام الأساسي أو قبلت باختصاص المحكمة وفقاً للفقرة 3 :-
أ ) الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث أو دولة تسجيل السفينة أو الطائرة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن سفينة أو طائرة.
ب) الدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياه."
وإذا كان هناك ما يبرر هذا المبدأ الاقليمي المحدد لاختصاص المحكمة المكاني كون مبادئ القانون الدولي تقوم اساساً على "مبدأ الرضائية" في المعاهدات الدولية.. فان تحديد نطاق اختصاص المحكمة بهذا الشكل لايتفق مع الغرض الذي من اجله انشئت المحكمة وهو محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة، لذلك نرى بأن النظام الاساسي للمحكمة يقرر استثناءات على هذا المبدأ ويضع امتداداً لاختصاص المحكمة.
1-
الامتداد الاقليمي لاختصاص المحكمة ، حيث يمتد الاختصاص الاقليمي للمحكمة الى دولة ليست طرفاً في النظام الاساسي لها، فالفقرة 3 من المادة 12 من النظام تنص على " إذا كان قبول دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي لازماً بموجب الفقرة 2 ، جاز لتلك الدولة بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة، أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث، وتتعاون الدولة القابلة مع المحكمة دون أي تأخير أو استثناء وفقاً للباب 9." وهذا يعني ان امتداد الاختصاص الاقليمي للمحكمة يعتمد على قبول الدولة المعنية باختصاص المحكمة بمحاكمة ما وقع على اراضيها من جرائم. فعلى سبيل المثال قام وفد من السلطة الوطنية الفلسطينية في 16 تشرين الأول 2009 بتقديم تقرير أولي يعرض فيه الحجج القانونية الداعمة للإعلان المودع في 22 كانون الثاني 2009 والذي تم فيه قبول اختصاص المحكمة على الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل في فلسطين.

2-
الاستثناء الاخر على مبدأ الاختصاص الاقليمي للمحكمة، يتمثل بحالتين، الاولى هي قيام المدعي العام بمباشرة التحقيق من تلقاء نفسه ودون احالة من جهة ما، حيث تنص الفقرة 1 من المادة 15 من النظام الاساسي للمحكمة على " للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة". ومن الامثلة على قيام المدعي العام بفتح تحقيق كانت في 22 أيار 2007 عندما أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو عن فتح تحقيق في الجرائم الخطيرة التي يُزعم أنها ارتُكبت في جمهورية أفريقيا الوسطى في عامي 2002 و2003.

اما الحالة الثانية فتتمثل بمباشرة مجلس الامن حقه في الاحالة وفقاً للفقرة ب من المادة 13 التي تنص على " إذا أحال مجلس الأمن ، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت" مما يعطي للمحكمة امكانية ممارسة سلطاتها القضائية اذا ما تمت إحالة موقف ما إلى المدعي العام من قبل مجلس الأمن، والمثال على ذلك هي إحالة قضية دارفور في السودان إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من قبل مجلس الأمن بقراره المرقم 1593/2005.
وفي هاتين الحالتين لايلتزم المدعي العام او مجلس الامن بنطاق معين لمباشرة الاجراءات فيجوز ان تكون الجريمة محل التحقيق قد وقعت داخل اراضي دولة طرف أو ليست طرف في نظام روما الأساسي، وسواءاً قبلت الدولة التي ارتكبت على اراضيها الجريمة اختصاص المحكمة او لم تقبله ، فان المدعي العام يباشر الاجراءات بعد الحصول على موافقة الدائرة الابتدائية، او اذا احال مجلس الامن الحالة الى المدعي العام ، فعلى هذه الدولة ان تمتثل لطلبات المحكمة ومصدر الالتزام هنا هو قرار مجلس الامن الذى احال القضية والذى تحترمه كافة الدول الموقعة على قرار انشاء الامم المتحدة وهذا الالتزام ناشئ عن ان الدول اعضاء في الامم المتحدة.
لذلك فان كون العراق ليس طرفاً في النظام الاساسي للمحكمة، لايمنع المحكمة من النظر في الجرائم التي تعرض لها الايزيديون ، حيث ان هناك وسائل اخرى لانعقاد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، منها باعلان العراق قبوله بالسلطة القضائية للمحكمة، والامر هنا يكون رهناً بالارادة المنفردة للدولة العراقية وهو تصرف قانوني دولي من جانبها، وفي هذه الحالة يكون على الدولة العراقية ان تتعاون مع المحكمة تعاوناً تاماً بشأن التحقيقات التى تجريها وفقاً لأحكام الباب التاسع من النظام الأساسي. وبهذا تصبح للأحكام الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية حجية كاملة امام السلطات القضائية للدولة التي ليست طرفاً في المحكمة، او ان يقوم المدعي العام من تلقاء نفسه بمباشرة التحقيق في تلك الانتهاكات، او ان يقوم مجلس الامن باتخاذ قرار باحالة القضية الى المدعي العام بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية:
لاتدخل كافة الجرائم ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ، بل ان ما يدخل ضمن اختصاصها هي فقط الجرائم التي حددتها الفقرة 1 من المادة 5 من نظام روما الأساسي ، بالقول: " يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية :-
أ ) جريمة الإبادة الجماعية. ب) الجرائم ضد الإنسانية. ج ) جرائم الحرب. د ) جريمة العدوان.
و قد عرفت المادة 6 منه الإبادة الجماعية بـانها: " أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً:-
أ ) قتل أفراد الجماعة.
ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ج ) إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.
د ) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.
هـ) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
أما المادة 7 من النظام فقد نصت على : "يشكل أي فعل من الأفعال التالية " جريمة ضد الإنسانية " متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ، وعن علم بالهجوم :-
أ ) القتل العمد. ب‌) الإبادة. ج ) الاسترقاق. د ) إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان. هـ) السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي. و ) التعذيب. ز ) الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة. ح‌) اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرفية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3 ، أو لأسباب أخرى من المسلم عالمياً بأن القانون الدولي لا يجيزها ، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة. ط‌) الاختفاء القسري للأشخاص. ي‌) جريمة الفصل العنصري. ك) الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
2-
لغرض الفقرة 1 :-
أ ) تعني عبارة " هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين " نهجاً سلوكياً يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة 1 ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ، عملاً بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم ، أو تعزيزاً لهذه السياسة.
ب) تشمل " الإبادة " تعمد فرض أحوال معيشية, من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء, بقصد إهلاك جزء من السكان.
ج ) يعني " الاسترقاق " ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية, أو هذه السلطات جميعها, على شخص ما, بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص , ولا سيما النساء والأطفال.
د ) يعني " إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان " نقل الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة, بالطرد أو بأي فعل قسري آخر , دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.
هـ) يعني " التعذيب " تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة , سواء بدنياً أو عقلياً , بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته , ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو يكونان جزءاً منها أو نتيجة لها.
و ) يعني " الحمل القسري " إكراه المرأة على الحمل قسراً وعلى الولادة غير المشروعة بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان أو ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي . ولا يجوز بأي حال تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل0
ز ) يعني " الاضطهاد " حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرماناً متعمداً وشديداً من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي, وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع.
ح‌) تعني " جريمة الفصل العنصري " أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة 1 وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى, وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام .
ط)يعني " الاختفاء القسري للأشخاص " إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية , أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه , ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة.
3-
لغرض هذا النظام الأساسي , من المفهوم أن تعبير " نوع الجنس " يشير إلى الجنسين , الذكر الأنثى, في إطار المجتمع , ولا يشير تعبير " نوع الجنس " إلى أي معني آخر يخالف ذلك.
مما لاشك فيه هو ان الجرائم التي ارتكبها تنظيم "داعش" الارهابي بحق الايزيديين في سنجار ترقى الى مستوى جرائم الإبادة الجماعية، لابل إن تلك الجرائم تتجاوز حد الابادة الجماعية لتصل الى الجرائم ضد الانسانية ، فعناصر تنظيم داعش الارهابي والجهات المتعاونة معه قامت بإرتكاب ابشع الجرائم والافعال بحق الايزيديين الابرياء، فقد قام التنظيم بارتكاب مجازر جماعية بحق الالاف من الايزيديين، كما تم اختطاف الالاف منهم وقام بارتكاب ابشع الجرائم بحقهم تمثلت بالتعذيب وإلحاق اضرار جسدية ونفسية جسيمة بهم ، كما تم إخضاع المختطفين والمختطفات لأحوال وظروف صعبة ، وتم فصل الاطفال عن عوائلهم وانتهاك حقوق الاطفال، كما تعرضت النسوة والفتيات لابشع الجرائم تمثلت بقتل ذويهن امام انظارهن ، كما تعرضن للاعتداء الجسدي وللاغتصاب والاغتصاب الجماعي ، كما تم استرقاقهم وبيعهن في اسواق النخاسة، فضلاً عن التعذيب وغيرها من الانتهاكات البشعة.
و هناك العديد من الادلة والاثباتات على تلك الجرائم منها، شهادات العشرات من الناجين والناجيات من قبضة تنظيم داعش، كما تم اكتشاف العشرات من المقابر الجماعية، وهي جميعها ادلة دامغة تدين تنظيم داعش وتثبت تعرض الايزيديين الى الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية . وقد تم استهداف الايزيديين باعتبارهم مجموعة دينية عمل تنظيم داعش من خلال جرائمه على ابادة هذه المجموعة الدينية ومحوها من الوجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1-
د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية- مدخل لدراسة احكام واليات الانفاذ الوطنى للنظام الأساسي، دار الشروق ، القاهرة ، 2004.
2-
د. سعيد عبد اللطيف حسن، المحكمة الجنائية الدولية - نشأتها ونظامها الأساسي، دار النهضة العربية، القاهرة،2000.
3-
د. محمد احمد برسيم، مقدمة لدراسة المحكمة الجنائية الدولية، ط1، دار الكتب المصرية،2009.

ليست هناك تعليقات: